
عن سر إطلالاتها الجذابة وفيلم قنطرة وحال الدراما والسينما التونسية مقارنة بالمصرية.. سارة حناشي تفتح قلبها لمصر الآن
في تجسديها لشخصية «ممثلة» في الفيلم الروائي الطويل «قنطرة» من إنتاج تونس، والذي اعتلى منصات التكريم في محض مهرجان قرطاج السينمائي، وجابت شهرته الأفق بعرضه إبان فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45 المنصرمة، خاضت الممثلة اليافعة والفذة ذات الإطلالات الجذابة والمثيرة للجدل في المحافل والمهرجانات الفنية -حسبما يصفها الجمهور- «سارة حناشي» تجربة درامية لا تشبه غيرها. قدّمت دورها بأداء محترف أثنى عليه معظم النقاد، وعدته حناشي دورًا أضفى إلى جعبتها الكثير من الخبرات، وزوّدها بدروس حُفرت في ذهنها.
ترفض حناشي دائمًا اختزال موهبتها في إطار فني محدد؛ فتحرص على الاشتراك في تجارب فنية مميزة على الشاشة ما بين الدراما والسينما تضعها بين عملاقة الفن التونسي، وتطمح حناشي على تأكيد مدى بزوغ نجمها على الشاشة-وهو ما أكدت عليه- بحيث تخطو الموهبة التونسية خطوات ثابتة وثاقبة فنيًا، وتحقق نجاحات عديدة نجاح تلو الآخر، ولعل من أبرز أعمالها: فيلم "طفل الشمس"، وفيلم "زيزو" وفيلم "خسوف"، وفيلم "جسد غريب"، ومسلسل "أوركيديا"، ومسلسل "خارج السيطرة"، ومسلسل "أولاد مفيدة"، ومؤخرًا فيلم "قنطرة"، وسيل من الأعمال الأخرى، التي دفعت باسم حناشي إلى القمة.
في حوارها مع «مصر الآن»، تتحدث الفنانة التونسية عن شعورها بعد عرض فيلمها الأخير "قنطرة" إبان فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ45، وتكريمه في مهرجان قرطاج السينمائي، وعن حال السينما والدراما التونسية مقارنة بنظيرتها المصرية، والتطرق بالحديث عن دخول اسمها دائمًا في حيز "النجمة المثيرة للجدل"؛ بسبب إطلالاتها في المحافل الفنية الكبرى، ورأيها في ظاهرة اندفاع مشاهير السوشيال ميديا إلى عالم التمثيل، وعدد من الأسئلة الأخرى، وإلى نص الحوار..
• بداية.. كيف استقبلتِ نجاح فيلم "قنطرة" والذي عُرض بمهرجان القاهرة الدولي في دورته المنصرمة، وكيف كانت كواليس العمل والصعوبات اللي واجهتكم، حدثينا بشكل مفصل عن العمل؟
لقد استقبلت إشادات قنطرة بمزيج من الفرح والامتنان، فعرض الفيلم في مهرجان عظيم بحجم القاهرة السينمائي وثناء الجمهور والنقّاد عليه هو النجاح بعينه، كانت لحظة مؤثرة للغاية بالنسبة لي، شعرت أن كل التعب والتفاني خلال التصوير تُوّج بهذا التقدير، وأن صوتنا كفريق وصل إلى الناس.
وعن كواليس العمل فكانت مليئة بالطاقة وبالتحديات، وبالكثير من اللحظات الإنسانية العميقة. كان هناك تعاون حقيقي بين أفراد الفريق، وكل واحد منّا كان يحمل همّ الفيلم وكأنه مشروع شخصي، كانت هناك مشاهد تطلبت مني انخراطًا عاطفيًا كبيرًا، وهذا أخذ على عاتقي تركيزًا خاصًا وحضورًا داخليًا قويًا.
واجهتنا عدة تحديات أثناء التصوير، سواء من حيث ضيق الوقت، أو محدودية الإمكانيات، أو ظروف التصوير، ورغم ذلك تمكنا من أن نحافظ على الروح الجماعية، وواجهنا الصعوبات بإصرار وشغف. بالنسبة لي شخصيًا كان التحدي الأكبر هو التعمق في مناطق حساسة من ذاتي؛ لأداء الشخصية بصدق -وهو ما لمسه الجمهور- دون أن أضيع بين ما هو شخصي وما هو فني. لكنها تجربة أثرتني كثيرًا كممثلة وكإنسانة.
• لكن من وجهة نظرك هل الفيلم نقل بشكل موضوعي معضلة التضارب الكبير والملموس في مستوى الطبقات في تونس ما بين الأغنياء والفقراء وأزمة العنصرية والتي اجتاحت أوطاننا العربية بكل أسف، وما علاقة جسر رادس بأحداث العمل؟
الفيلم يضع إصبعه على جرح حقيقي: فجوة طبقية متفاقمة، وطبقات مهمّشة، وأخرى محصنة خلف أسوار الامتيازات، سواء في تونس أو في غيرها من البلدان العربية. لكنه لا يكتفي بالإدانة، بل يطرح تساؤلات عميقة حول الهوية، الانتماء، والموقع الذي يحتله الإنسان داخل هذه المنظومة المعقدة، في ظل نظام اقتصادي غير عادل، وفرص محدودة، واختلاط الواقع بالوهم الرقمي.
العنصرية والطبقية موجودتان في الخلفية، في ملامح الشخصيات، في نظرة الناس لهم، في الفجوة بين ما يتمنونه وما يستطيعون تحقيقه. قنطرة لا يرفع شعارات، بل يضعنا في قلب مفارقة خطيرة: إلى أي مدى قد نذهب كي نحصل على مكان في هذا العالم؟، وما الذي يدفع شبابًا عاديين إلى عبور حدود الخطر؟ الجواب يكمن في دلالة العنوان نفسه
"قنطرة"، بالمعنى الحرفي، هي معبر، لكن في هذا الفيلم، القنطرة تصبح رمزًا للتحوّل، للانتقال من عالم إلى آخر، من عالم الهامش، والضغط، إلى عالم المال، السيطرة، والسرعة في تحقيق "المراد"، لكنها ليست قنطرة مستقرة، بل هشة، زلقة، وقد تسقط بمن يمرّ عليها إذا لم يكن وعيه متينًا.
قنطرة ليس فقط عنوانًا، بل موقفًا: هو طرح صريح للأسئلة التي تمزق جيلًا بأكمله في تونس وفي كل العالم العربي. الفيلم لا يدين الشخصيات، بل يعري السياق الذي يجعل من "الخطأ" أحيانًا خيارًا يبدو مشروعًا.
• بالحديث عن تونس.. ما رأيك في الصناعة الدرامية والسينمائية في تونس وإلى ماذا تفتقر، وسر تميز مصر في هذه الصناعة، وسبب اندفاع كثير من النجوم والنجمات في تونس إلى مصر؟
الصناعة الدرامية والسينمائية في تونس، رغم محدودية الإمكانيات، قدّمت أعمالًا جريئة، نوعية، وذات بُعد فني وفكري عميق. هناك أسماء كبيرة أخرجت تونس إلى العالمية، وهناك موجة جديدة من الشباب تحاول اليوم أن تُعيد طرح الأسئلة الجمالية والسياسية بطرق مختلفة، لكن للأسف، هذه الصناعة تفتقر إلى البنية التحتية الداعمة، إلى استراتيجيات إنتاج مستدامة، وإلى رؤية وطنية تعتبر الفن والثقافة أولوية، وليس ترفًا، نفتقر إلى ماذا؟ نفتقر إلى الدعم الفعلي، إلى قوانين تحمي الفنان وتُشجع على الإنتاج، إلى استثمار حقيقي في التوزيع، وفي التكوين، وفي إعطاء الفرص لمن هم خارج دوائر "الاحتكار". هناك طاقات مذهلة في الجهات، بين الشباب، لكنها لا تجد من يحتضنها ويدفعها إلى الأمام.
أما عن مصر ولماذا يتجه الكثير من الفنانين التونسيين نحوها؟ فالذهاب إلى مصر ليس هروبًا من تونس، بل بحث عن فضاء مهني أوسع. مصر تملك سوق ضخم، صناعة قوية، ديناميكية إنتاج، وتقاليد متجذرة في الفن الجماهيري، وبيئة قادرة على خلق نجومية، على تثبيت اسم الفنان في الوعي الجماعي العربي. بالنسبة لفنانين كثيرين، خصوصًا من تونس، فمصر تمثل فرصة للانتشار، للتجربة، وللاحتكاك بسوق مختلفة.
لكنني أؤمن أن هذا لا يعني التخلي عن تونس، بل العكس: النجاح خارج الحدود يجب أن يكون قوة ناعمة تعود ببعض الضوء إلى الداخل، وتفتح نوافذ جديدة، المهم، وأن نحمل هويتنا معنا، لا أن نُذيبها.
وإذا أخذنا فيلم "قنطرة" كمثال حي، فهو دليل واضح على أن السينما التونسية تملك القدرة على أن تلامس جمهورًا واسعًا داخل تونس وخارجها، إذ استطاعت أن تطرح قضايا حقيقية بلغة قريبة من الناس، دون أن تتخلى عن العمق. الفيلم نجح في تونس، وذاع صيته وحسن التفاعل معه بعد عرضه في مهرجانات خارجية مثل القاهرة وفرنسا؛ لأن موضوعه يمسّ الجميع: واقع الشباب، خطورة المخدرات، والضغوطات الاجتماعية والنفسية التي يعيشها جيل كامل.
وما يُميّز قنطرة فعلًا هو الاختيار الذكي للكوميديا السوداء كأداة فنية. فالمخرج لم يُقدّم خطابًا مباشرًا أو فلسفة ثقيلة، بل اختار أن يدخل إلى الموضوع من زاوية إنسانية، بسيطة، ومؤلمة في آنٍ واحد، وهذا المزج بين الكوميديا والواقع القاسي خلق توازنًا جماليًا وفكريًا، جعل الجمهور يتفاعل دون أن يشعر بأنه يُلقَّن درسًا.
أنا أعتقد أن هذه المقاربة — البساطة في الطرح مع العمق في المضمون — هي من بين المهارات الضرورية التي يجب أن نعتمدها أكثر في أفلامنا، ليس المطلوب أن نصنع سينما نخبوية يصعب فهمها، ولا أن ننزلق إلى السطحية، بل أن نجد تلك المنطقة الوسطى التي تُحترم فيها ذهنية المتفرج ويُفتح له باب التأمل. قنطرة فعل ذلك بنجاح، وهذا ما جعله محبوبًا.
• متى ستشارك سارة حناشي في أعمال فنية مصرية، هل الخطوة تأخرت، أم أن طموحاتك عالمية وتونس تعد بالنسبة لك البوابة لذلك؟
أنا لا أعتبر أن الخطوة إلى مصر "تأخرت" -مثلما أشرت في سؤالك-؛.لأن علاقتي بالمشهد الثقافي والفني المصري بدأت منذ أكثر من عشر سنوات. شاركت في العديد من المهرجانات، التقيت بمخرجين مهمين، وتربطني صداقات قوية مع فنانين ومبدعين مصريين أُكنّ لهم كل الاحترام، مثل أحمد عبد الله، شريف البنداري، وغيرهم ممن أتابع أعمالهم بإعجاب كبير. أنا أحب السينما المصرية، خاصة تلك التي تحمل رؤية، وتطرح أسئلة فنية وإنسانية بعمق.
لكن، بصراحة، أنا لا أركض وراء الظهور في مصر فقط؛ لأن "مصر نجومية". أنا ممثلة تشبه مسارها، ومشروعي الفني مرتبط بهويتي وتجربتي كمرأة تونسية، في هذا الزمن، في هذا السياق؛ ولذلك أعمل للتو على بناء فضاء بديل في تونس، أشارك فيه مع فنانين تونسيين يسعون مثلي إلى إعادة رسم المشهد من جديد، بعيدًا عن النماذج الجاهزة.
مصر بالنسبة لي ليست غاية في ذاتها، بل فضاء من ضمن فضاءات أخرى. وإذا جاء عمل مهم فعلًا، يضيف لي شيئًا، ويمنحني فرصة؛ لخوض تجربة جمالية حقيقية مع مخرج مصري مبدع، سأخوضها بكل حب، لكن ليس بدافع اللهفة أو السعي للشهرة السريعة.
أنا اليوم أفكر جليًا في تونس، وفي أوروبا أيضًا، خاصة أنني أملك طموحًا سينمائيًا يتجاوز الحدود الجغرافية. وفي النهاية، أؤمن أن الفن لا يُقاس بالمكان فقط، بل بالقيمة التي يضيفها للعمل، وبالصدق الذي نحمله داخلنا كممثلين.
• تميز فني كبير وإرث فني مدجج بأعمال لاقت النجاح لسارة الحناشي على الصعيد التونسي حيث تحقيق نجاحات عديدة نجاح تلو الآخر ولعل من أبرز أعمالك فيلم "طفل الشمس"، وفيلم "زيزو" وفيلم "خسوف"، وفيلم "جسد غريب"، ومسلسل "أوركيديا"، ومسلسل "خارج السيطرة"، ومسلسل "أولاد مفيدة"، وفيلم "قنطرة"، وسيل من الأعمال الأخرى المميزة والتي دفعت باسمك إلى القمة، فهل هذه الأعمال جعلتك من وجهة نظرك واحدة من أهم النجمات في تونس في الوقت الراهن، ومن الفنان/ة التونسي/ة الأفضل بالنسبة لك؟
ربما ما يميزني في الساحة الفنية هو أنني أعمل بصدق، أنا لا أرتدي أقنعة، ولا أحب التباهي أو الادّعاء، إذ أؤمن أن الإخلاص يكون للشخصيات التي أجسدها، وأن أكون على طبيعتي، فهذا جوهر عملي كممثلة.
أنا لا أؤمن بأن هناك "أفضل" ممثل/ة أو "أحسن" فنان/ة بشكل مطلق. كل فنان لديه طريقته، صوته، لغته الخاصة، وأنا منذ بدايتي لم أضع نفسي في سباق مع أحد، ولا أحب أن أركز على ما يفعله الآخرون. أحب أن أعمل على ذاتي، أن أتطور، أن أبحث عن النسخة الأصدق والأعمق مني.
بالنسبة لي، كل تجربة، حتى وإن لم تكن مثالية، فهي خطوة لفهم نفسي أكثر؛ ولمحاولة الوصول إلى أداء أرقى. أنا لا أُقلد، ولا أتابع أحدًا بنية الاقتداء، بل أسعى لأن يكون لي أسلوبي الخاص، هويتي، بصمتي. وهذا ربما هو سر التميّز: أن تظل صادقًا، وأن تركّز على الطريق الداخلي قبل أي شيء آخر.
وحسب اعتقادي، أحد الأسباب التي تجعل العديد من الناس، وخاصة من الجيل الأصغر مني، يحبون تمثيلي ويتابعونه، هو قدرتي على تقديم أدوار معقدة أو مؤلمة، لكن بأداء، سلس وإنساني.
أنا على يقين دائم أن الفنان الحقيقي لا يُعقّد الفن، بل يُحبب الناس فيه. وأن الممثلة التي تجعل طفلة صغيرة، عندما تشاهدها، تقول "أنا أيضًا أريد أن أكون ممثلة"، هي ممثلة نجحت في إيصال شيء نبيل؛ لأن الفن ليس استعراضًا تقنيًا فقط، بل هو علاقة، إحساس، وصدق؛ لذلك، أعتبر أن دوري كممثلة لا يقتصر فقط على أداء الشخصية، بل يمتد إلى جعل هذا الفن أقرب إلى الناس، إلى قلوبهم، خاصًة الشباب؛ لأنهم هم من سيصنعون السينما القادمة.
• صفِ لنا رأيك في ظاهرة اعتماد بعض المنتجين والمخرجين حاليًا على مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك؛ لتجسيد بطولة أعمال فنية ما بين الدراما والسينما، فهل هذه الظاهرة ظالمة لذوي المواهب الحقيقية، وماذا تمثل السوشيال ميديا بالنسبة لك؟
أنا لا أُنكر أن السوشال ميديا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد العام، وأن لها دورًا في التسويق والتواصل والتأثير، ولكن الخطير هو عندما تتحول أداة التأثير إلى معيار فني، عندما يُختزل العمل الدرامي أو السينمائي في عدد المتابعين، وتُمنح أدوار البطولة لأشخاص لا يملكون أدنى مقومات التمثيل لمجرد أنهم "تريند"، فهنا نحن لا نتحدث عن تطوير الصناعة بل عن إفراغها من مضمونها.
هذه الظاهرة تسبب إحباطًا حقيقيًا لدى جيل كامل من الموهوبين، الذين درسوا وتدرّبوا وعملوا على أدواتهم، لكنهم يجدون أنفسهم مهمّشين فقط لأنهم لا يصرخون على تيك توك أو لا يصنعون "مشاهد مفرغة" من أجل اللايكات. والأسوأ من ذلك، أن الجمهور نفسه يعتاد على الرداءة، وتُعاد برمجة ذائقته الفنية على ما هو سطحي، سريع، وقابل للاستهلاك.
بالنسبة لي، السوشال ميديا وسيلة، لا غاية. يمكن أن تكون منصة رائعة؛ لنشر الوعي؛ لمشاركة مشروع فني أو إنساني، لكنها لا تصنع فنانًا. الموهبة، الشغف، الصدق، العمل الجاد، التراكم، كل هذا لا يُقاس بعدد المتابعين. وعندما يكون المنتج أو المخرج فنانًا حقيقيًا، يقدّر نفسه ويقدّر مشروعه، فهو لا يختار ممثلين بناءً على شهرتهم على السوشال ميديا، بل على موهبتهم وقدرتهم الحقيقية على حمل الدور؛ لأن العمل الفني الصادق يحتاج ممثلًا صادقًا، لا "ظاهرة رقمية" قابلة للاستهلاك السريع.
هذا ما أقدّره كثيرًا في التجارب الأوروبية، وخاصة في فرنسا. عندما يتم اختيار ممثل لدور معين، فالمعيار هو الأداء، الحس، الموهبة، وليس عدد المتابعين. بل على العكس، أحيانًا ينظرون بسلبية إلى من يغرق في الترويج لنفسه على تيك توك أو إنستغرام؛ لأنهم يعتبرون أن الممثل الحقيقي منشغل بتطوير أدواته وليس بتغذية صورته فقط.
هذا الفارق يعكس مستوى الوعي الفني في المجتمعات. المجتمعات التي تؤمن بالثقافة كقيمة أساسية لا تسمح بأن يُختزل الفن في أرقام أو "تريندات"، بينما للأسف، في كثير من الدول العربية، ما زلنا نعتمد على هذه الأساليب السطحية التي تظلم الطاقات الحقيقية، وتُفرغ الصناعة من جوهرها، ولهذا، نحن كممثلين وكمبدعين، علينا أن نرفع صوتنا، وأن نُذكر دائمًا أن الفن ليس مسابقة شهرة، بل مسؤولية وجدانية وفكرية وجمالية، تحتاج الصدق قبل كل شيء.
• لماذا يصفك البعض بالجرأة وإثارة الجدل في بعض إطلالاتك في كثير من المهرجانات والمحافل الفنية، فكيف تواجهين هذا النقد؟
أنا لا أرى نفسي "جريئة" كما يحاول البعض أن يختزلني. كلمة "جرأة" هي مفهوم نسبي، يتغيّر من مجتمع إلى آخر، ومن عقلية إلى أخرى، ففي مجتمعات حرّة وواعية، ما أفعله يُعتبر طبيعيًا، صادقًا، وعاديًا، أما في بيئات تتحكم فيها الذكورية المقنّعة والرقابة الاجتماعية، فالحرية تُربك، والصدق يُخيف.
ربما يُطلق عليّ البعض هذا الوصف؛ لأنني ببساطة لا أزيف نفسي، أنا لا ألبس قناعًا لأُرضي الآخرين، لا أتبنّى خطابًا منافقًا فقط؛ ليحبني الناس. كثيرون يفضّلون أن يسمعوا ما يودّون سماعه، وأن يروا ما يريدون رؤيته، وأنا لست من هذا النوع. أنا لا "أبيع نفسي"؛ كي أكون تريند، ولو كنت أسعى إلى التريند؛ لفعلت أشياء كثيرة تافهة وسطحية، لكنني بالعكس، أُفضّل أن أكون صادقة، حتى ولو دفعت الثمن.
للأسف، في تونس كما في عدة بلدان عربية، هناك إعلاميون يشتغلون كأدوات؛ لتصفية الحسابات، وليس كصنّاع رأي عام. هؤلاء هم من سوّقوا لي صورة لا تُشبهني، فقط لأنني رفضت أن أكون ضمن منظومتهم، أن أكون ضيفة مطيعة، أو أن أمارس النفاق الذي يُرضيهم. هم لم يستطيعوا احتوائي؛ فاختاروا تشويهي. وهذا يحصل دائمًا مع النساء المستقلات، القويات، اللواتي لا يخضعن للمنظومة.
لكنني كامرأة تونسية، كامرأة عربية، أفتخر أنني أفكّر بحرية، وأتصرّف بحرية. وهذا لا يعني أنني ضد القيم أو الأخلاق، بل بالعكس، أنا أومن بأن الأخلاق الحقيقية هي أن لا تكذب، أن لا تبيع نفسك، أن لا تخون ذاتك.
قد يحاول البعض أن يحصرني في صورة سطحية، لكن الحقيقة أعمق بكثير. ومن يعرفني جيدًا، يعرف أنني أشتغل على قضايا، على شخصيات، على أفكار لا على مظهر فقط، أنا مشروع فنّي وروحي وفكري، وليس صورة على غلاف، والفن في النهاية، هو معركة وعي، وأنا اخترت أن أكون على الجبهة، لا في الخلف.
• أخيرًا.. بالعودة إلى مصر، هل تتابعين الدراما والسينما المصرية، ومن نجمك المفضل والذي تطمحين للعمل معه أو العمل معها مستقبلًا؟
بالنسبة للدراما والسينما المصرية فبكل تأكيد أتابعها؛ لأنها جزء أساسي ومؤثر في المشهد الفني العربي، وكنت دائمًا أعتبر أن مصر لديها تجربة فنية غنية ومُلهمة، فيها مدارس مختلفة وتنوع في الأداء والرؤية.
أما بالنسبة لسؤال "من نجمك المفضل؟" فالحقيقة أنا لا أتعامل مع الفن من منطلق "نجم مفضل" -كما ذكرت لك في بداية الحوار- بل أتعامل من منطلق التقاء مشروع حقيقي وفريق مناسب، فأنا أؤمن أن السيناريو هو من يختار ممثليه. مع ذلك، أقدّر جدًا منة شلبي، ممثلة صادقة وتمتلك حس فني كبير، وأحب طريقة أداء عمرو واكد، فهو ممثل عظيم. وطموحي هو العمل في مشاريع كبيرة، ذات قيمة، وأن أكون وسط فريق يؤمن بالحكاية قبل الأسماء.


استطلاع راى
مع أم ضد انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم الصور
نعم
لا
اسعار اليوم
